إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
"الهجوم خير وسيلة
للدفاع"
جملة نسمعها كثيرا في سياقات الحرب
والقتال.
ولكنها تعد مبدأً ناجعا جدا في الحياة
ذاتها، وفي المساجلات والمناظرات.
وهي أيضا تعبر عن قوتك وقوة حجتك.
فانشغالك بالدفاع عن نفسك أو قضيتك، أو
أيا كان ما تدافع عنه، سيترك مساحة رحبة لخصمك يهاجمك منها، وسيظهرك أيضا في موقف
الضعيف.
ولا أظن قويا معتزا بنفسه وبما يدافع عنه
يظل متخذا موقف الدفاع هذا.
فلو تصورنا أن عاهرا سخرت من امرأة شريفة
لكونها قصرت في شيء من زيها، لا نظن أبدا أن الموقف الصحيح أن ندافع عن تقصير هذه
الشريفة، تاركين عهر العاهرة بلا هجوم شديد.
وهذا ما يمتعض له المرء ويشمئز.. فأولئك الخانعون
في عقيدتهم ودفاعهم عن الإسلام، تشعر في دفاعهم وكأنهم مذنبون مقرون بجريمتهم!
وهذا لا يسمى إلا خور وضعة. فرسول الله
صلى الله عليه وسلم قد جاء في بيئة تأكل الميتة وتدمن شرب الخمر وتأكل الربا وتعبد
مئات الأصنام، إلى غير ذلك كثير من الجرائم، ولكنه لم يداهن في عقيدته، ولم يُعرِض
عن شيء منها ابتغاء مرضاة الكفار أو لتهوين الأمر عليهم كما يدعي هؤلاء الخانعون.
وبعد.. فما جرى من سبٍّ لرسولنا محمد صلى
الله عليه وسلم، ثم ذبح السابّ، ليس تطرفا كما يدعيه الجهلة الأغمار من أسافل
القوم وحثالتهم، إنما هو من الدين، لا ريب في ذلك.
وقد نقل الأجماع غير واحد من أئمة وعلماء
المسلمين على وجوب قتل من سب الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء كان مسلما أو كافرا،
معاهدا أم حربيا. وجمهور أهل العلم على أنه لا يُدرأ هذا الحد بالتوبة، أي إن قال:
تبتُ ولن أعود، فلا يسقط عنه الحد. بل لقد حكى كثير من أهل العلم الإجماع على ذلك،
وقد نص عليه الأئمة: مالك والشافعي وأحمد: أنه يقتل ولا يستتاب.
أما عن إقامة آحاد المسلمين هذا الحد؛ فقد
جاء غير حديث بذلك، منها: حديث الصحابي الذي قتل جاريته لأنها كانت تسب النبي صلى
الله عليه وسلم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك: "ألا فاشهدوا
أن دمها هدر" أي لا قصاص فيه.[1]
وكذلك قصة الصحابي الذي خنق اليهودية حتى
ماتت لأنها كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم[2]، ولم يلمه النبي صلى
الله عليه وسلم أيضا على ذلك.
وإن كان بعض أهل العلم ذهب أنها قصة
واحدة، وأن النقولات اختلفت في كيف قُتلت.
ولو كنت مزيّفا لاكتفيت بهذين الحديثين،
مدعيا كفايتهما الدلالية على جواز ذلك، إلا إن الأمانة تقتضي أن أنقل هنا أن جمهور
أهل العلم قالوا بعدم جواز ذلك، إي إقامة آحاد الناس لحد من الحدود، وإن كان قتل
ساب الرسول صلى الله عليه وسلم. وبعضهم أوّل ما فعله الرسول بأن للإمام العفوَ عمن
أقام حدا مكانه دون إذنه، إن رأى ذلك.
وخلاصة الأمر: أن من جرى الإسلامُ في
عروقه لم يهدأ له جانب ولم يغمض له جفن ورسول الله صلى الله عليه وسلم يهان أو
يسب!
وأن فعل الشاب المسلم ليس مما يُبرر أو يُــعْــتَـــذَر
له، بل حري أن نفخر به. وليس هو بعيدا عن الإسلام، بل له وجه قوي لذلك.
والسلام على من اتبع الهدى.