الفرق بين الذوق والقاعدة
في عالم الجمال والأدب، هناك أذواق، وهناك قواعد.
فمثلا: لكل من الياسمين والفل رائحة عطرة جميلة. يمكن
اعتبار هذا كقاعدة.
لكن هناك من يفضل الياسمين على الفل، أو العكس.. فهذا
ذوق.
لكن أن تدعي أن لإحدى الزهرتين رائحة منفرة أو سيئة،
فهذا مرض. عالج أنفك يا صديقي!
وقد اتهمني ((بعضهم)) بالإسهاب في وصف ملامح وانفعالات
الشخصيات في كتاباتي، دون الإسهاب في وصف البيئة، من أرائك وسُرُر وبُسٌط، ونحو
ذلك... وقال إن ذلك عيب في كتاباتي.
وطالبني أن أنحو نحو الماجن غير المحفوظ، وهو يصف رجلا،
وعليك أن تتحلى بالصبر وسعة المرارة حتى أنتهي من وصفه رجلا، استقل الترام رقم 15،
ثم هبط منه واستقل الترام رقم 19 ثم انتهى إلى ميدان الأزهر، وعبر عطفة ضيقة، حيث
رأى عن كثب العمارات الجديدة تمتد ذات اليمين وذات الشمال، تفصل بينها طرقات
وممرات لا تحصى... وشاهد فيما حوله مقاهي عامرة ودكاكين متباينة، ما بين دكان
طعمية ودكان تحف وجواهر، ورأى تيارات من الخلق لا تنقطع، ما بين معمم ومطربش
ومقبع.... (ثم يسأل بوابا عن العمارة رقم 7، فقال البواب):
لعلك تسأل عن الشقة رقم 12 التي سكنت اليوم؟ انظر إلى
هذا الممر، سر به إلى ثاني عطفة على يمينك فتصير في شارع إبراهيم باشا، ثم إلى
ثالث باب إلى يسارك فتجد العمارة رقم 7.
...كان الشارع طويلا في ضيق، تقوم على جانبيه عمارات
مربعة القوائم، تصل بينها ممرات جانبية تقاطع الشارع الأصلي، وتزحم جوانب الممرات
والشارع نفسه بالحوانيت؛ فحانوت ساعاتي وخطاط وآخر للشاي ورابع للسجاد وخماس رفاء
وسادس للتحف وسابع وثامن إلخ إلخ.... أ.هـ.
صدقني لم تحتمل (مرارتي) الاستمرار في القراءة أو النقل!
لا أنكر أن لهذا (الكاتب) لغة جيدة، إلا إنه ليس معيارا
لجودة الكتابة، ولا لأسلوبها.
قد يبدو ذلك حسنا عند بعض القراء والنقاد، لكن مما لا
ريب فيه عند الذوق السليم، أن هذا الإسهاب ممجوج، ولا يقبل إلا على مضض.
والعجيب أنه يجعل الوصف الجسدي والانفعالي للشخصية
إسهابا وإملالا!
وإذا استشهدت لصنيعي بصنيع بعض العباقرة من الأدباء
قديما وحديثا، راح يلوي عنقه ويعتصر كلماته ليخرج بمبرر لذلك!
فمرة يقول: هذه رواية حركية، ومرة هذا كاتب للأطفال!!
ومرة هذه خواطر لكاتب وليست رواية... ونحو ذلك من حجج داحضة واهنة.
ولا أقول ذلك لأثبت أنني على الحق دائما وأبدا! وكيف
أقول ذلك، وأنا أكتشف أخطاء أو ركاكة أو سوء صياغة، في كل مرة أقرأ فيها شيئا كتبته.
إنما أقول سقت ذلك لأبين كيف يغرق من ينصب نفسه ناقدا في لجة من الأهواء، فلا يصير
بها سوى قارئ أعمى، تخبطه أمواج الأهواء وعواصفها.