أنا لست التقيَّ العبقريَّ // ولست بماجنٍ نذلٍ مخادعْ

وأبعد ما أكون عن الغرورِ // وأبعد ما أكون عن التواضعْ

إذا رُمْتَ انتقادًا لي فصارحْ // ودعك من التخفي والبراقعْ


آخر المواضيع

السبت، 28 مارس 2020

صدقة السر


طرق إبراهيم ذلك الباب المتهالك، وانتظر لثوانٍ..
"ادخل يا إبراهيم! أنا عارفاك مبتخيّبش معادك أبدا"
كانت تلك كلمات العجوز صاحبة هذا البيت.
ولأنه قد اعتاد على ذلك، فقد مد يده من فتحة صغيرة في الباب وفتح الباب من الداخل..
وعلى الرغم من تهالك الباب، إلا أنه كان أفضل حالا من البيت..
فالبيت ليس سوى غرفة وحمام فقط. لا يتجاوز العشرين مترًا مربعًا!! وليس فيه سوى فراش رث، ووسائد بالية!
وتقطن فيه هذه العجوز وحدها.
وبابتسامته الرقيقة الأخاذة دلف إلى المنزل، قائلا لها بمرح حقيقي غير مصطنع:
-يعني ينفع يعني أروّح بيتي قبل مااشوف سعاد حبيبة قلبي..
ثم أردف بجدية مصطنعة:
-بصي بقى يا سعاد.. احنا لازم نتجوز بسرعة؛ عشان سيرتنا بقت على كل لسان.
بُهِتت العجوز المشارفة على عامها السبعين، وقالت له بفزع بالغ:
-هوة فيه حد بيتكلم علينا ياد يا ابراهيم؟؟!!!
انفجر إبراهيم ضاحكا، وقال لها وهو يمسح دموع ضحكه:
-يا حاجة أنا بضحك معاكي.. هوة انا بصراحة مش هلاقي حد أحسن منك في الحتة بحالها، بس انتي عارفة اني (مُرْتَبِت).
قالها، ثم شرع يُخرج طعاما من أكياس بلاستيكية، ويضعه أمامها لتأكله. وقال:
-يلا بقى يا اما.. بسم الله!
ابتسمت بفرح، وشرعت تأكل.. ثم فجأة توقفت عن الطعام ونظرت إليه متسائلة:
-واد يا ابراهيم! إوعى يا واد تكون بتجيب الأكل ده من معاك؟؟!!!
ضحك بصوت عالٍ وقال لها:
-أكل إيه بس يا اما اللي هجيبه من معاية!! أنا يوميتي 20 جنيه!
بدت عليها الحيرة لحظة، ثم قالت:
-مهو مش كباب يعني.. ده رز وطبيخ!
ربت على كتفها في حنان وقال لها وهو ينظر في عينيها بحب صادق:
-ادعيلي بس يبقى معاية فلوس وانا أوكلك كباب!
رفعت يديها إلى السماء وتمتمت بالدعاء، ثم الفتت إليه وهي تقول:
-يا ابني والله مليش حد في الدنيا دي غير ربنا وانت!
نظر إليها نظرة عتاب رقيقة، فأسرعت تقول:
-غير ربنا، ثم انت.
تهللت أساريره، وقال لها بمرح:
-يللي بقى كلي، الأكل هيبرد!
*************************
امتدت يد إبراهيم تفتح باب منزله، وما أن دلف حتى وجد "حسناء" زوجته تنتظره جالسة على الأريكة الصغيرة في ردهة منزلهم المتواضع، وهي تسأله سؤالها الروتيني:
-ها! طمني!
جلس بجانبها وألقى ذراعه على كتفها، وقال لها:
-النهاردة أول مرة تسألني. بس الحمد لله صدقتني يعني.
ومد يده في جيبه وأخرج مالا، قائلا:
-خدي بقى الـ15 جنيه اللي فاضلين من اليومية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

العنكبوت النونو

  ما زال شغفي قويا بتصوير أشياء مثل هذه.. أجد لذة عجيبة في ذلك.. لذةً تتجدد كلما عدت أتطلع إلى ما صنعت..  

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *