أنا لست التقيَّ العبقريَّ // ولست بماجنٍ نذلٍ مخادعْ

وأبعد ما أكون عن الغرورِ // وأبعد ما أكون عن التواضعْ

إذا رُمْتَ انتقادًا لي فصارحْ // ودعك من التخفي والبراقعْ


آخر المواضيع

الاثنين، 18 مايو 2020

ما هي أقل مدة يجوز فيها ختم القرآن؟

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فإني قد حِرت كثيرا حينما علمت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في أقل من ثلاثة أيام[1]، بينما جاء عن عثمان رضي الله عنه أنه أوتر بالقرآن كله، أي صلى بالقرآن كله في ركعة الوتر.[2]


وقلت في نفسي، ولعل أكثر الناس فكر فيما فكرت: كيف لذي النورين رضي الله عنه أن يفعل شيئا قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم؟! فإذا بي أقرأ للنووي رحمه الله في كتابه (الأذكار) قوله "وأما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يُحصون لكثرتهم" فاقشعر جلدي رهبة وإجلالا لذلك!
ودارت في خلدي أسئلة كثيرة:
  • ما الصحيح وما السنة في ذلك كله؟
  • وكيف يفعل رجال من السلف الصالح، الصحابة والتابعين والأئمة الكبار، شيئا معلوم مخالفته لحديث النبي صلى الله عليه وسلم؟
  • وهل النهي عن ختم القرآن في ثلاثة أيام، أم قراءة أكثر من 10 أجزاء؟ بمعني آخر: هل إذا احتال المرء وقرأ 10 أجزاء في النهار ومثلها في الليل، أو قرأ 10 أجزاء برواية حفص -مثلا- و10 برواية ورش وأخرى برواية قالون... أيكون قد خالف الحديث أم لا؟

فرجعت إلى فتح الباري وإرشاد الساري والأذكار للنووي، فوجدتهم يذكرون أمورا أحب أن أنقلها هنا:
فأما الحافظ ابن حجر رحمه الله فقال في الفتح ما حاصله "وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختم القرآن في ثلاث، وهذا اختيار أحمد وأبي عبيد وإسحاق بن راهَوَيْه وغيرهم، وثبت عن كثير من السلف أنهم قرؤوا القرآن في دون ذلك." ثم ذكر كلام الإمام النووي رحمه الله.
وأما الحافظ القسطلاني رحمه الله فقال في إرشاد الساري: "وليس النهي للتحريم (يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم فاقرأه في سبع لا تزد على ذلك) كما أن الأمر في جميع ما مر من الحديث ليس للوجوب خلافا للظاهرية... ثم ساق كلام النووي كذلك، ثم ذكر شيئا من أعجب ما قرأت، فقال: وقد رأيت في القدس في سنة سبع وستين وثلاثمئة رجلا يكنى بأبي الطاهر من أصحاب الشيخ شهاب الدين بن رسلان ذكر لي أنه كان يقرأ في اليوم والليلة خمس عشرة ختمة. وثبتني في ذلك في هذا الزمن شيخ الإسلام البرهان ابن أبي شريف المقدسي نفع الله بعلومه"
وأما النووي رحمه الله فقد ذكر أن ختم القرآن في سبع ليالٍ هو فعل الأكثرين من السلف.
وبعد.. فإن الله عز وجل قال في كتابه العزيز {كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ مُبَٰرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ} فتدبر آيات الله بمعرفة معانيها ومقاصدها والوقوف على حدودها هو الغرض الأسمى لقراءة القرآن، ولما كان الصحابة رضوان الله عليهم من العرب الخُلَّص؛ كان فهم القرآن عليهم يسيرا، فسهل على الواحد منهم أن يقرأه متدبرا في أسبوع أو ثلاثة أيام، أما في زمننا هذا فقد عز من يفهم معاني كلماته، فضلا عن أن يفقه أحكامه وأمثاله! وإلى الله المشتكى!
وجمعا للأحاديث وأفعال الصحابة والأئمة والسلف، فيكون القول كما قال النووي رحمه الله وغيره: أن الهَدْي والسنة ألا يَختم في أقل من ثلاث ليالٍ، وألا يَقرأ بسرعة شديدة لا يُدرِك معها قوله ولا يَفهم منها ما يقول، وأن الأفضل أن يختمه في كل أسبوع مرة، مع تدبر معانيه وتأمل آياته، وقد ذهب كثير من أهل العلم على وجوب قراءة القرآن متدبرا، إذ لن يحصل التدبر دون قراءة، والتدبر واجب.
فأما في الأوقات الفاضلة كشهر رمضان وعشر ذي الحجة، وكالأماكن الفاضلة كالبيت الحرام- فيجوز الزيادة على ذلك؛ لأن: 1- النهي في الأصل ليس نهي تحريم. 2- يستحب الزيادة في الأعمال في الأوقات والأماكل الفاضلة عما سواها. 3- ألا يكون هذا عادة ونهجا.
ولعل هذا قد أثلج صدري واستأصل ما فيه من حيرة.
والحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى.




[1] أخرج أبو داوود في سننه، كتاب الصلاة: باب في كم يُقْرأ القرآن برقم [1390]، وغيره، وصححه الألباني، ولفظه كما عند أبي داوود ’’لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث‘‘. والمراد قراءته كاملا، أي ختمه. وعند البخاري [4767] ومسلم [1159] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عمر رضي الله عنهما ’’اقرأه في سبعٍ ولا تزد على ذلك‘‘.
[2] جاء ذلك في مصنف عبد الرزاق ومسند الشافعي، ولم أنشط لتنقيب عنه.





[1] أخرج أبو داوود في سننه، كتاب الصلاة: باب في كم يُقْرأ القرآن برقم [1390]، وغيره، وصححه الألباني، ولفظه كما عند أبي داوود ’’لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث‘‘. والمراد قراءته كاملا، أي ختمه. وعند البخاري [4767] ومسلم [1159] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عمر رضي الله عنهما ’’اقرأه في سبعٍ ولا تزد على ذلك‘‘.
[2] جاء ذلك في مصنف عبد الرزاق ومسند الشافعي، ولم أنشط لتنقيب عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

العنكبوت النونو

  ما زال شغفي قويا بتصوير أشياء مثل هذه.. أجد لذة عجيبة في ذلك.. لذةً تتجدد كلما عدت أتطلع إلى ما صنعت..  

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *